نظرية انتقال أثر التعلم
تدور المناقشات وتحتدم
حول فائدة المواد الدراسية . فمن قائل لماذا نتعلم التاريخ وندرس الأدب ؟ إن هذه
المواد التاريخية والأدبية لا قيمة لها في حياة المجتمع ، وينبغي أن يقتصر التدريس
على تدريب التلاميذ على المهن وتعويدهم على مواقف الحياة خارج المدرسة ، وينبغي أن
ينصرف المنهج المدرسي كلية إلى مثل هذه التدريبات المهنية ، ويرى آخرون أن هذا
الاتجاه المهني العملي التطبيقي اتجاه يحتقر العقل والنشاط الذهني وهذا أقل بكثير
مما ينبغي أن تهدف إليه المدرسة وتعمل على تحقيقه .
والمدرسة في الوقت الحاضر تواجه عملاً فريداً
في مجتمعنا المتغير المعقد فيجب أن نعد تلاميذنا لمواقف المستقبل التي لا نستطيع
التنبؤ بها . وواجبنا أن نعلم التلاميذ ليحتلوا مكانهم في المجتمع . وهذا يؤدي بنا
ضرورة معالجة موضوع انتقال أثر التعلم .
لقد ذهبت بعض الآراء إلى أن انتقال أثر
التعلم أمر يسهل تحقيقه ، ما على التلميذ إلا أن يدرس المواد المناسبة ، وهذه
الدراسة ستفيده في جميع نواحي حياته . بينما تذهب أراء أخرى إلى أن انتقال أثر
التعلم من الناحية العملية أمر لا يحدث مطلقاً ، وأن على المدرسة أن تدرب تلاميذها
على كل مسألة هامة بدلاً من أن تترك التلميذ دون تدريب مؤملة أنه سوف يعتمد على
نفسه في معالجة مواقف المستقبل .
معنى انتقال أثر التعلم
:
إن انتقال أثر التعلم هو أن يؤثر التعلم في
موقف أو في شكل من أشكال النشاط في قدرة المرء على التصرف في مواقف أخرى أو في
قدرته على القيام بأنواع نشاط أخرى .
فلكي ينجح الفرد في قيادة محراث ألي ، مع
معرفته السابقة لقيادة السيارة لابد أن يحدث انتقال أثر التعلم من الموقف السابق
إلى الموقف اللاحق .
وآثار انتقال أثر التعلم قد تكون ايجابية
وذلك حين يسهل التدريب على وظيفة معينة التدريب على وظيفة أخرى أو حين ييسر تعلم
مادة دراسية معينة تعلم مادة أخرى . فمثلاً دراسة الرياضة تسهل دراسة الطبيعة .
وقد يكون انتقال أثر لتعلم أو التدريب سالباً
وذلك حينما يكون التدريب على وظيفة معينة أو نشاط معين التدريب على وظيفة أخرى أو
نشاط أخر . ويحدث هذا حينما نبدأ في تعلم لغتين أجنبيتين في وقت واحد .
والانتقال السالب والموجب متشابهان فكلاهما
يتضمن تطبيق تعميمات تم التوصل إليها من قبل ، ولكنهما يختلفان في دقة المبدأ
والتعميم والنتيجة ، فتؤدي التعميمات الخاطئة إلى نتائج خاطئة .
مثال : سأل تلميذ
أخطأ في ضرب 45 × 5 = 305 كيف تأدى إلى هذه النتيجة فأجاب :
5 × 5 = 25 كتبت 5
وحملت 2
2+ 4 = 6 ، 6 × 5 =
30
فهو لم يراع قيمة
موضع العدد ، ولم يلاحظ أن 45 × 5 عبارة عن 5 + 40 وقد استخدم الحل الذي تعلمه في
جمع الأعداد استخداماً خاطئاً وأدى تطبيقه لمسلماته الخاطئة إلى نتيجة خاطئة .
نظريات انتقال أثر
التعلم
النظريات القديمة :
نظرية التدريب الشكلي :
سادت هذه النظرية ردحاً من الزمان وسيطرت
على فكر العلماء . وتعود المربون على أساس هذه النظرية أن يعتقدوا أن هندسة إقليدس
تنمي التفكير والاستدلال وتزيد القدرة عليهما في المجالات المختلفة . وأن دراسة
العلوم الرياضية تدرب التلميذ على الدقة بجميع أنواعها . وأن قراءة الأبطال ودراسة
تاريخهم تزيد من الوطنية لدى التلاميذ . وأن التلميذ يتشرب الأمانة حين يقرأ قصصاً
عن نجاح الأمناء في الحياة . وأن حفظ لنصوص الدينية تدريب يقوي الذاكرة .
واعتقد المربون في الماضي أن كل ملكة أو
قدرة متى أحسن تدريبها وإعدادها فإنها تؤدي وظيفتها مهما اختلفت المواقف وتعددت
الملابسات .
ولكن
الأبحاث التربوية والنفسية بينت من البراهين ما يكفي لدحض هذه النظرية ، فقد ظهر
أن محاولة تحسين لوظائف العقلية بالتدريب المباشر على التذكر والتفكير لم تؤد إلا
إلي نتائج ضئيلة ، كما أن المواد الدراسية التي أفترض أنها تحسن العقل وتقويه لم
يكن لها تأثير أكبر قليل من المواد التي يعتقد الناس بأنها غير ذات قيمة انتقالية
.
ولقد تحدى وليم جيمس هذه النظرية ، فأجرى
تجربة على حفظ شعر ، ووجد أن تدريب الطلاب على حفظ شعر فيكتور هيجو لم يؤت أية
نتيجة ، لأنه لم يحقق تحسناً يذكر مما جعله ينتهي إلى الاعتقاد بأن القدرة على
التذكر فطرية .
النظرية الحديثة :
1- نظرية العناصر المتماثلة :
قدمها ثورنديك
وملخصها أن انتقال أثر التعلم يحدث بين موقفين من مواقف التعلم وموقف آخر على أساس
ما يوجد من عناصر متماثلة في الموقفين . كلما زادت هذه العناصر زاد أنتقال أثر
التعلم وكلما قلت قل أنتقال أثر التعلم . وبناء على هذا يحدث انتقال اثر تعلم من
الكتابة على الآلة الكاتبة إلى العزف على البيانو بالدرجة التي يشتملان بهما على
مهارات متماثلة مثل التوافق بين الإصبع والعين . ولا تقتصر عناصر التشابه بين
الموقفين على المهارات الحركية فقد تتخذ صورة بيانات وعمليات أو مبادئ وتعميمات واتجاهات
. وعلى هذا نجد أن التدريب على عملية الجمع ينتقل أثره إلى تعلم عملية الضرب .
وتعلم الأسماء والتواريخ في دراسة تاريخ العرب قد يساعد في دراسة الأدب العربي حيث
تتصل الموضوعات في المادتين بنفس الفترة الزمنية ، وحيث نجد عناصر متماثلة في
محتوى المادتين المتماثلتين .
2- نظرية الأنماط المتماثلة :
يفسر أصحاب مدرسة
الجشطلت انتقال أثر التعلم تفسيراً مختلفاً . فلقد بينوا مثلاً أنه حتى ولو لم تكن
المكونات واحدة بين موقف تعليمي وموقف آخر فإنه يحدث الانتقال طالما تشابه النمطان
أو الصيغتان الكليتان . فالألعاب الرياضية التنافسية تسهم في نجاح الجنود في
أدائهم في المعركة . ووفقاً لنظرية تشابه الأنماط نجد عند لاعب الكرة المتنافس
نمطاً سلوكياً يماثل ما يقوم به الجندي ، فكلا الموقفين مثلاً يتطلبان هجوماً
عدائياً ضد الخصم كلاهما يقتضي القدرة على تنفيذ التعليمات أو الأوامر ، ويحدث
انتقال أثر التعلم وفقاً لنظرية الأنماط لأن كلا النشاطين يتضمن عملاً جماعياً
توافقياً يقوم فيه الأفراد بأداء عمليات متصلة .
3- نظرية التعميم :
قدم هذه النظرية الأستاذ
( جد ) Judd
وتقوم هذه النظرية على تطبيق مبادئ وتعميمات على المواقف . ويعتقد جد أن المتعلم
حين يستطيع تعميم الخبرة في موقف وأن يطبقها على كثير من المواقف الأخرى . ولقد
أجرى تجربة ليبرهن على صحة ما يراه . فكلف مجموعتين من التلاميذ أن يصوبوا أسهماً
اتجاه هدف مغمور تحت الماء . وقبل أن يبدأ هذه التجربة شرح مبدأ انكسار الضوء
لإحدى الجماعتين دون الأخرى . ولقد أقترف أعضاء المجموعتين أخطاء متشابهة في
البداية وصححوا أخطائهم تدريجياً عن طريق المحاولة والخطأ ، ثم غير عمق الهدف
وجعله أكثر عمقاً ، وأمكن للجماعة التي فهمت مبدأ انكسار الضوء أن تطبقه على
الموقف الجديد بحيث تفوقت على أفراد الجماعة الآخرى الذين لم يلموا بالحقائق
الخاصة عن انكسار الضوء .
4- نظرية تكوين الاتجاهات :
يؤكد باجلي أنتقال
أثر التعلم عن طريق تكوين اتجاهات عامة . وذلك لأن معظم التدريب الذي يمر به الطفل
لا يعدو المجال المباشر الذي يحدث فيه التدريب ، وأكد باجلي أنه بتأكيده للنظافة
والنظام والأناقة لا في مواقف معينة بل كمثل عليا ، أمكن أن يتحقق انتقال أثر
التعلم . فقد وجد في التجربة التي أجراها حين جعل النظام والنظافة مثلاً أعلى
وهدفاً عاماً فيما يتصل بمادة معينة أن أثر هذا التدريب أنتقل إلى مواد دراسية
أخرى .
العوامل التي تساعد على
انتقال أثر التعلم :
1-
تكوين اتجاه ايجابي نحو ما يتعلم ،
ولقد حقق باحثان زيادة قدرها 16 % في انتقال أثر التعلم بعمل بسيط هو أنهما أخبرا
مجموعة من التلاميذ دون الآخرى بأن المادة التي يدرسونها ستفيدهم في مواقف أخرى ،
فتفوقت على المجموعة الأخرى .
2-
تأكيد نقاط الدرس التي يمكن تطبيقها
في المجالات الآخرى
3-
وضع ما نريد انتقال أثره في صيغة
قاعدة أو مبدأ أو قانون ، وإذا حدث هذا فمن الحكمة أن نتأكد أن التلاميذ تعلموا
هذه القاعدة أو المبدأ أو القانون وفهموها ورعوها في الاستخدام والتطبيق .
4-
ممارسة تطبيق الحقائق والمبادئ في
ميادين أخرى ، لا يجب أن تقتصر العملية التعليمية على إبراز العنصر الذي يمكن نقله
ولا على صياغته بوضوح بل يحسن أن يطبق على مجالات أخرى خارج مادته الدراسية .
5-
وضع المنهج بحيث يراعي في أهدافه
أهمية انتقال أثر التعلم ، فمثلاً تعلم الأحياء في الثانوية قد يفيد الطالب الذي
سوف يلتحق بكلية الطب ، بينما تعلم التدبير المنزلي قد يفيد الفتاة التي تعتزم
الزواج وتكوين أسرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق