التعلـم الشرطـي ( إيفـان بافلوف )
بدأت أبحاث العلامة
الروسي بافلوف الذائع الصيت عن الفعل المنعكس الشرطي عام 1904 حين أعطي جائزة نوبل
في الطب ، تقديراً لجهوده واعترافاً بفضل اكتشافه . ولقد نشرت نتائج أبحاثه
المبتكرة باللغة الروسية . ومن ثم فقد استمرت فترة طويلة غير معروفة في البلاد
والأقطار التي تتحدث بلغات أخرى . وحين بدأت أبحاثه تظهر في مقالاته وبحوثه في
لغات أخرى أهتم بها الأمريكيون اهتماماً بالغاً ، ولا سيما أنها صادفت فترة ضاق
فيها علماء النفس ذرعاً بعلم نفس الاستبطان ، وبمناقشة الظاهرات النفسية الغامضة ،
والتي لا يسهل وضعها موضع الملاحظة والقياس . وهكذا اندمج تيار الشرطيين ( بافلوف
وتلاميذه ) بالسلوكيين الذين ما يزال أثرهم بعيداً في علم النفس حتى الآن .
آراء
المعاصرين في بافلوف :
تشير إلى أنه عالم مخلص عمل بجد وكرس
معظم حياته للبحث العلمي ، وعلى الرغم من تأثير والده وقد كان رجلاً من رجالات
الدين ، إلا أن إخلاص بافلوف انصرف للعلم . ولقد رأى بابكن وهو من تلامذة بافلوف
وأتباعه أن بافلوف اعتبر أن العلم أداة لتعلم كل ما يراد تعلمه عن عالمنا ، بل وعن
الإنسان في هذا العالم .
ولقد شبه بافلوف في محاضراته ومقالاته
الكائن الحي بالآلة وهو آلة معقدة ولكنها خاضعة ومطيعة كغيرها من الآلات . واعتبر
الخاصية المميزة للعالم هي التواضع وليس الغرور . ومهما بلغ العالم من ذكاء
وألمعية ، فإنه لا يستطيع أن يقرر ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الطبيعة إن دور
العالم هو أن يستخدم مهاراته إلى أقصى حد ليكتشف الطبيعة وليكشف عنها وتتضح له .
حتى يفهم الانتظام الكامن فيها وأنها تسلك وفقاً لقوانين معينة ويحاول العالم أن
يفهم كيف يتعلم الإنسان ولا يقرر كيف ينبغي أن يتعلم الإنسان .
ولأبحاث بافلوف تطبيقات عامة ، فقد ألقت
الضوء على آليات التعلم ، وتكوين العادات ، وعلاوة على ذلك استطاع بافلوف وتلاميذه
أن ينجحوا عن طريق التجريب في خلق اضطرابات نفسية ( عصاب ) في الحيوانات ، وهي
اضطرابات تماثل ما يطرأ على الإنسان من عصاب يعتقد بعض علماء الاجتماع أنها نتيجة
من نتائج العيش في حضارات معقدة .
وقد بدأ بافلوف بحقيقة معروفة كثيراً ما
نلاحظها في حياتنا اليومية ، فقد رأى أن نقط اللعاب كثيراً ما تسيل من فم الكلب
أثناء انتظاره للطعام . ومعظمنا إن لم يكن كلنا يسيل لعابنا عندما نرى طعاماً
شهياً ، أو نشم رائحة طعام لذيذ ونحن جياع . والأصل أن الحيوانات الصغيرة والأطفال
لا يسيل لعابهم حتى يوضع الطعام في أفواههم فعلاً . وذلك أن إفراز اللعاب استجابة
غدية عكسية آلية ومثيرها المناسب الطبيعي هو الطعام . ولكننا نعرف جميعاً أنه بمضي
الزمن وباكتساب الخبرات تصبح رؤية الطعام ورائحته كافية لأن تثير اللعاب . إذن هذه
الرائحة أو هذا المنظر إنما هو مثير شرطي حل محل المثير الطبيعي الأصلي في إثارة
اللعاب ، وتسمي الاستجابة للمثير الشرطي أو البديل ، فعلاً منعكساً شرطياً .
ومن الخطأ أن نستدل من تجارب بافلوف على أن
الفعل المنعكس الشرطي أو الاستجابة الشرطية لفظ جديد ، أو أنها تعد مفسراً جديداً
لظاهرات التعلم و الحق أن فكرة الاشتراط فكرة قديمة ، وتشتمل عليها قوانين الترابط
القديمة التي عرض لها جون لوك عام 1690 والتي حاولت أن تفسر أن فكرة تتصل بفكرة
أخرى أو تنشأ عنها ، أو تستبدل بها لوجود تشابه أو اختلاف بينهما ، أن لتجاور في
الزمان أو المكان .
وإذا كانت فكرة الاستجابة الشرطية قديمة ،
فإنه قد يتبادر للذهن سؤال هو : هل يختلف عمل بافلوف عن عمل علماء النفس
الترابطيين الآخرين ؟ وثمة فرق أساسي بين بافلوف وغيره هو أنه لم يتناول بالدرس
والتجريب أفكاراً وعادات واستجابات متعلمة . بل مثيرات حسية واستجابات غدية يمكن
أن تقاس بدقة ، وأن يحدث تحت ظروف مضبوطة ، والدقة والقياس وضبط ظروف التجربة أمور
أساسية بغير توافرها لا يقوم العلم ولا يتقدم .
طريقة
بافلوف :
أجريت كل تجارب بافلوف تقريباً على الفعل
المنعكس الشرطي على الكلاب ، وكان منصرفاً في تلك التجارب إلى دراسة إفراز اللعاب
، ولقد كانت الفكرة السائدة في كل أبحاثه هي : أن كل ما يتعلمه الكلب منذ طفولته
ليس إلا نتيجة للترابط بين أحداث معينة وقعت في وقت واحد مع مثير بيولوجي مناسب
لاستجابة فطرية . ولقد اختار بافلوف التركيز على اللعاب لأن كمية ما يفرز منه يمكن
قياسها بدقة ، فضلاً عن أن الغدد اللعابية ليست إلا عضواً بسيطاً لا تتصل به أفعال
منعكسة أخرى مما يعقد الضبط التجريبي .
وقد كانت طريقة بافلوف في قياس اللعاب
بسيطة نسبياً ، فقد كان يجري عملية جراحية ليعمل فتحة في صدغ الكلب تدخل منه انبوبة
زجاجية تحيط بفتحة من فتحات الغدة اللعابية وبذلك يمكن جمع اللعاب المسال وقياسه .
ولما كان هذا الفعل المنعكس حساساً ويسهل التأثير عليه والتدخل في عمله فقد بذل
بافلوف جهداً بالغاً ليمنع حدوث أي ضوضاء في معمله . وكان يجري تجاربه في حجرات لا
نوافذ لها ولا ينفذ إليها الصوت ، وكان يقدم الطعام من خلال فتحة أخرى في الحائط .
كيف
تتكون الأفعال المنعكسة الشرطية :
أبسط الأساليب التي كانت تتبع في تجارب
الفعل المنعكس الشرطي هو أن يحدث المجرب المنبه الشرطي بحيث يلازم المنبه غير
الشرطي أو الطبيعي وأن يكرر هذا . وقد استخدم بافلوف في تجارب المثيرات الشمية
والسمعية والبصرية واللمسية كبديل للمثير الطبيعي وهو الطعام باعتباره المثير
الصحيح غير الشرطي . وكان يقدم الطعام في طبق صغير للكلب الواقف في هدوء على منضدة
، وفي نفس الوقت يحدث نغمة أو صوت جرس ، ثم يعاد ويكرر هذا المرة بعد الأخرى في
أيام متوالية ، وبعد تكرار المثيرين معاً عددا من المرات يبدأ اللعاب في الإفراز
تحت تأثير الصوت وحده ، ويكون الصوت في هذه الحالة مثيراً شرطياً للطعام ، ويقال
إن الاستجابة اللعابية عند الكلب قد تم اشراطها .
وليست المثيرات السمعية وحدها صالحة لأن
تكون مثيرات شرطية فعالة في إثارة اللعاب . بل تصلح المثيرات الشمية والبصرية
واللمسية متى لازمت تقديم الطعام للكلب مرات كافية . وفي مثل هذه التجارب يمكن
القول بأن مخ الكلب قد كون ارتباط بين المثير الجديد ( الصوت ) والاستجابة ( إفراز
اللعاب ) وتصبح هذه الرابطة جزء من سلوك المتعلم .
مبدأ
الاشتراط الكلاسيكي :
( إذا حدث مثير غير
مقصود مرة أو بضع مرات قليلة ، وصاحب مثيرات تثير انعكاسات فطرية ، فإن المثير
الأول يبدأ في إحداث هذه الانعكاسات الفطرية )
ويمكن
توضيح هذا المبدأ على النحو التالي :
م ( طعام ) ← س ( إفراز اللعاب
)
م1 ( صوت ) ← س1 ( اجتذاب الأذن
)
في هذا الرسم يوجد
لدينا ثلاث انعكاسات :
1-
طعام ← لعاب
2-
نغمة صوتية ← اجتذاب الأذن
وهما
انعكاسان غير شرطيين ( طبيعيان )
ثم
3- نغمة صوتية ← إفراز اللعاب وهو انعكاس شرطي
م
تشير إلى مثير طبيعي ، م 1 مثير شرطي
س
استجابة ، س 1 استجابة طبيعية
العوامل الزمنية في الاشتراط :
لقد
أسفرت جهود الباحثين عما يأتي في هذا المجال :
1-
إن التأني الدقيق للمثيرين ليس ضرورياً لتكوين فعل
منعكس شرطي سريع وأن التتابع بين المثيرين بحيث يجيء المثير الطبيعي بعد المثير
الشرطي بثانيتين أو ثلاث هو أفضل الترتيبات على الإطلاق .
2-
إن الفعل المنعكس الشرطي يتكون بصعوبة بالغة إذ
تبع المثير الشرطي المثير الطبيعي ، حتى ولو كان الفاصل الزمني بينهما جزءاً من
الثانية وإذا حدث هذا فإنه يسمى بالاشتراط الراجع .
3-
إذا تم تقديم المثير الشرطي على نحو مستمر لفترة
معينة مثلاً ثلاث دقائق في ظل هذه الظروف قد يتكون فعل منعكس شرطي مرجأ .
4-
في حالة إذا تم تقديم المثير الشرطي في بداية
الفترة الزمنية الفاصلة فقط ولا يستمر خلالها يتكون فعل منعكس شرطي بالأثر .
المثيرات المركبة :
في اشتراط بافلوف تتكون علاقة بين
الاستجابة والمثير الذي يصاحب المثير المعزز والسؤال هو : لماذا ترتبط الاستجابة
فقط بالصوت أو الضوء أو اللمسة التي يحدثها المجرب ؟ ألا توجد مثيرات أخرى في
الموقف تصاحب بانتظام عرض الطعام ؟ وهذا سؤال بسيط ، ولكن إجابته مركبة ، ولها جانبان
أساسيان :
الأول : أن المثيرات الأخرى قد تكون ماثلة ليس حين يحدث التعزيز فقط ، بل وأيضاً
في ظل ظروف عدم التعزيز ، وبهذا نتوقع أن تنطفيء قد على إثارة الاستجابة .
الثانية : أن عدداً من تجارب معمل بافلوف قد أبرزت أنه حين تقترن مثيرات مركبة مثل
ضوء + صوت ، أو صوت + لمس ، بانتظام مع الطعام فمن الممكن أن يصبح أحد عناصر هذا
التركيب مثيراً شرطياً .
الانطفاء والاسترجاع التلقائي :
إذا حدث بعد تكوين الاستجابة الشرطية ،
إن أحدث المنبه الشرطي دون أن يصاحبه المنبه غير الشرطي أو الطبيعي . أي بدون
تعزيز وتكرر مرات متتالية فإن الاستجابة تضمحل أو تنطفئ تدريجياً . وفي النهاية لا
تظهر الاستجابة ، ويظهر هذا في أمرين الأول أن تطول الفترة بين المثير والاستجابة
الشرطية ، والثاني تناقص عدد قطرات اللعاب المسألة .
وهذا الانطفاء لا يعني أن الترابط أو
الاقتران الشرطي قد تحطم وزال نهائياً ، بل يعني كمن نحن ما وأن المثير الشرطي حين
يقدم للحيوان بعد فترة من الزمن يستريح فيها فإن الاستجابة الشرطية تعود للظهور
ثانية ، ويطلق على هذه الظاهرة الاسترجاع التلقائي .
تدريب 1 :
بين
نواحي القوة ونواحي الضعف في نظرية بافلوف عن التعلم الشرطي ؟
تدريب 2 :
عرفي
المفاهيم الآتية : الاشتراط الراجع ، الفعل المنعكس المرجأ ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق