الاثنين، 29 يونيو 2015

التعلـم الشرطـي ( إيفـان بافلوف )

التعلـم الشرطـي ( إيفـان بافلوف )

        بدأت أبحاث العلامة الروسي بافلوف الذائع الصيت عن الفعل المنعكس الشرطي عام 1904 حين أعطي جائزة نوبل في الطب ، تقديراً لجهوده واعترافاً بفضل اكتشافه . ولقد نشرت نتائج أبحاثه المبتكرة باللغة الروسية . ومن ثم فقد استمرت فترة طويلة غير معروفة في البلاد والأقطار التي تتحدث بلغات أخرى . وحين بدأت أبحاثه تظهر في مقالاته وبحوثه في لغات أخرى أهتم بها الأمريكيون اهتماماً بالغاً ، ولا سيما أنها صادفت فترة ضاق فيها علماء النفس ذرعاً بعلم نفس الاستبطان ، وبمناقشة الظاهرات النفسية الغامضة ، والتي لا يسهل وضعها موضع الملاحظة والقياس . وهكذا اندمج تيار الشرطيين ( بافلوف وتلاميذه ) بالسلوكيين الذين ما يزال أثرهم بعيداً في علم النفس حتى الآن .
آراء المعاصرين في بافلوف :
         تشير إلى أنه عالم مخلص عمل بجد وكرس معظم حياته للبحث العلمي ، وعلى الرغم من تأثير والده وقد كان رجلاً من رجالات الدين ، إلا أن إخلاص بافلوف انصرف للعلم . ولقد رأى بابكن وهو من تلامذة بافلوف وأتباعه أن بافلوف اعتبر أن العلم أداة لتعلم كل ما يراد تعلمه عن عالمنا ، بل وعن الإنسان في هذا العالم .
      ولقد شبه بافلوف في محاضراته ومقالاته الكائن الحي بالآلة وهو آلة معقدة ولكنها خاضعة ومطيعة كغيرها من الآلات . واعتبر الخاصية المميزة للعالم هي التواضع وليس الغرور . ومهما بلغ العالم من ذكاء وألمعية ، فإنه لا يستطيع أن يقرر ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الطبيعة إن دور العالم هو أن يستخدم مهاراته إلى أقصى حد ليكتشف الطبيعة وليكشف عنها وتتضح له . حتى يفهم الانتظام الكامن فيها وأنها تسلك وفقاً لقوانين معينة ويحاول العالم أن يفهم كيف يتعلم الإنسان ولا يقرر كيف ينبغي أن يتعلم الإنسان .
        ولأبحاث بافلوف تطبيقات عامة ، فقد ألقت الضوء على آليات التعلم ، وتكوين العادات ، وعلاوة على ذلك استطاع بافلوف وتلاميذه أن ينجحوا عن طريق التجريب في خلق اضطرابات نفسية ( عصاب ) في الحيوانات ، وهي اضطرابات تماثل ما يطرأ على الإنسان من عصاب يعتقد بعض علماء الاجتماع أنها نتيجة من نتائج العيش في حضارات معقدة .
        وقد بدأ بافلوف بحقيقة معروفة كثيراً ما نلاحظها في حياتنا اليومية ، فقد رأى أن نقط اللعاب كثيراً ما تسيل من فم الكلب أثناء انتظاره للطعام . ومعظمنا إن لم يكن كلنا يسيل لعابنا عندما نرى طعاماً شهياً ، أو نشم رائحة طعام لذيذ ونحن جياع . والأصل أن الحيوانات الصغيرة والأطفال لا يسيل لعابهم حتى يوضع الطعام في أفواههم فعلاً . وذلك أن إفراز اللعاب استجابة غدية عكسية آلية ومثيرها المناسب الطبيعي هو الطعام . ولكننا نعرف جميعاً أنه بمضي الزمن وباكتساب الخبرات تصبح رؤية الطعام ورائحته كافية لأن تثير اللعاب . إذن هذه الرائحة أو هذا المنظر إنما هو مثير شرطي حل محل المثير الطبيعي الأصلي في إثارة اللعاب ، وتسمي الاستجابة للمثير الشرطي أو البديل ، فعلاً منعكساً شرطياً .
      ومن الخطأ أن نستدل من تجارب بافلوف على أن الفعل المنعكس الشرطي أو الاستجابة الشرطية لفظ جديد ، أو أنها تعد مفسراً جديداً لظاهرات التعلم و الحق أن فكرة الاشتراط فكرة قديمة ، وتشتمل عليها قوانين الترابط القديمة التي عرض لها جون لوك عام 1690 والتي حاولت أن تفسر أن فكرة تتصل بفكرة أخرى أو تنشأ عنها ، أو تستبدل بها لوجود تشابه أو اختلاف بينهما ، أن لتجاور في الزمان أو المكان .
       وإذا كانت فكرة الاستجابة الشرطية قديمة ، فإنه قد يتبادر للذهن سؤال هو : هل يختلف عمل بافلوف عن عمل علماء النفس الترابطيين الآخرين ؟ وثمة فرق أساسي بين بافلوف وغيره هو أنه لم يتناول بالدرس والتجريب أفكاراً وعادات واستجابات متعلمة . بل مثيرات حسية واستجابات غدية يمكن أن تقاس بدقة ، وأن يحدث تحت ظروف مضبوطة ، والدقة والقياس وضبط ظروف التجربة أمور أساسية بغير توافرها لا يقوم العلم ولا يتقدم .
طريقة بافلوف :
        أجريت كل تجارب بافلوف تقريباً على الفعل المنعكس الشرطي على الكلاب ، وكان منصرفاً في تلك التجارب إلى دراسة إفراز اللعاب ، ولقد كانت الفكرة السائدة في كل أبحاثه هي : أن كل ما يتعلمه الكلب منذ طفولته ليس إلا نتيجة للترابط بين أحداث معينة وقعت في وقت واحد مع مثير بيولوجي مناسب لاستجابة فطرية . ولقد اختار بافلوف التركيز على اللعاب لأن كمية ما يفرز منه يمكن قياسها بدقة ، فضلاً عن أن الغدد اللعابية ليست إلا عضواً بسيطاً لا تتصل به أفعال منعكسة أخرى مما يعقد الضبط التجريبي .
        وقد كانت طريقة بافلوف في قياس اللعاب بسيطة نسبياً ، فقد كان يجري عملية جراحية ليعمل فتحة في صدغ الكلب تدخل منه انبوبة زجاجية تحيط بفتحة من فتحات الغدة اللعابية وبذلك يمكن جمع اللعاب المسال وقياسه . ولما كان هذا الفعل المنعكس حساساً ويسهل التأثير عليه والتدخل في عمله فقد بذل بافلوف جهداً بالغاً ليمنع حدوث أي ضوضاء في معمله . وكان يجري تجاربه في حجرات لا نوافذ لها ولا ينفذ إليها الصوت ، وكان يقدم الطعام من خلال فتحة أخرى في الحائط .
كيف تتكون الأفعال المنعكسة الشرطية :
      أبسط الأساليب التي كانت تتبع في تجارب الفعل المنعكس الشرطي هو أن يحدث المجرب المنبه الشرطي بحيث يلازم المنبه غير الشرطي أو الطبيعي وأن يكرر هذا . وقد استخدم بافلوف في تجارب المثيرات الشمية والسمعية والبصرية واللمسية كبديل للمثير الطبيعي وهو الطعام باعتباره المثير الصحيح غير الشرطي . وكان يقدم الطعام في طبق صغير للكلب الواقف في هدوء على منضدة ، وفي نفس الوقت يحدث نغمة أو صوت جرس ، ثم يعاد ويكرر هذا المرة بعد الأخرى في أيام متوالية ، وبعد تكرار المثيرين معاً عددا من المرات يبدأ اللعاب في الإفراز تحت تأثير الصوت وحده ، ويكون الصوت في هذه الحالة مثيراً شرطياً للطعام ، ويقال إن الاستجابة اللعابية عند الكلب قد تم اشراطها .
       وليست المثيرات السمعية وحدها صالحة لأن تكون مثيرات شرطية فعالة في إثارة اللعاب . بل تصلح المثيرات الشمية والبصرية واللمسية متى لازمت تقديم الطعام للكلب مرات كافية . وفي مثل هذه التجارب يمكن القول بأن مخ الكلب قد كون ارتباط بين المثير الجديد ( الصوت ) والاستجابة ( إفراز اللعاب ) وتصبح هذه الرابطة جزء من سلوك المتعلم .
مبدأ الاشتراط الكلاسيكي :
( إذا حدث مثير غير مقصود مرة أو بضع مرات قليلة ، وصاحب مثيرات تثير انعكاسات فطرية ، فإن المثير الأول يبدأ في إحداث هذه الانعكاسات الفطرية )



ويمكن توضيح هذا المبدأ على النحو التالي :
م ( طعام ) س ( إفراز اللعاب )
م1 ( صوت ) س1 ( اجتذاب الأذن )
في هذا الرسم يوجد لدينا ثلاث انعكاسات :
1-   طعام لعاب
2-    نغمة صوتية اجتذاب الأذن
وهما انعكاسان غير شرطيين ( طبيعيان )
ثم 3- نغمة صوتية إفراز اللعاب وهو انعكاس شرطي
م تشير إلى مثير طبيعي   ، م 1 مثير شرطي
س استجابة      ، س 1 استجابة طبيعية
العوامل الزمنية في الاشتراط :
لقد أسفرت جهود الباحثين عما يأتي في هذا المجال :
1-   إن التأني الدقيق للمثيرين ليس ضرورياً لتكوين فعل منعكس شرطي سريع وأن التتابع بين المثيرين بحيث يجيء المثير الطبيعي بعد المثير الشرطي بثانيتين أو ثلاث هو أفضل الترتيبات على الإطلاق .
2-   إن الفعل المنعكس الشرطي يتكون بصعوبة بالغة إذ تبع المثير الشرطي المثير الطبيعي ، حتى ولو كان الفاصل الزمني بينهما جزءاً من الثانية وإذا حدث هذا فإنه يسمى بالاشتراط الراجع .
3-   إذا تم تقديم المثير الشرطي على نحو مستمر لفترة معينة مثلاً ثلاث دقائق في ظل هذه الظروف قد يتكون فعل منعكس شرطي مرجأ .
4-   في حالة إذا تم تقديم المثير الشرطي في بداية الفترة الزمنية الفاصلة فقط ولا يستمر خلالها يتكون فعل منعكس شرطي بالأثر .
المثيرات المركبة :
         في اشتراط بافلوف تتكون علاقة بين الاستجابة والمثير الذي يصاحب المثير المعزز والسؤال هو : لماذا ترتبط الاستجابة فقط بالصوت أو الضوء أو اللمسة التي يحدثها المجرب ؟ ألا توجد مثيرات أخرى في الموقف تصاحب بانتظام عرض الطعام ؟ وهذا سؤال بسيط ، ولكن إجابته مركبة ، ولها جانبان أساسيان :
الأول : أن المثيرات الأخرى قد تكون ماثلة ليس حين يحدث التعزيز فقط ، بل وأيضاً في ظل ظروف عدم التعزيز ، وبهذا نتوقع أن تنطفيء قد على إثارة الاستجابة .
الثانية : أن عدداً من تجارب معمل بافلوف قد أبرزت أنه حين تقترن مثيرات مركبة مثل ضوء + صوت ، أو صوت + لمس ، بانتظام مع الطعام فمن الممكن أن يصبح أحد عناصر هذا التركيب مثيراً شرطياً .
الانطفاء والاسترجاع التلقائي :
        إذا حدث بعد تكوين الاستجابة الشرطية ، إن أحدث المنبه الشرطي دون أن يصاحبه المنبه غير الشرطي أو الطبيعي . أي بدون تعزيز وتكرر مرات متتالية فإن الاستجابة تضمحل أو تنطفئ تدريجياً . وفي النهاية لا تظهر الاستجابة ، ويظهر هذا في أمرين الأول أن تطول الفترة بين المثير والاستجابة الشرطية ، والثاني تناقص عدد قطرات اللعاب المسألة .
    وهذا الانطفاء لا يعني أن الترابط أو الاقتران الشرطي قد تحطم وزال نهائياً ، بل يعني كمن نحن ما وأن المثير الشرطي حين يقدم للحيوان بعد فترة من الزمن يستريح فيها فإن الاستجابة الشرطية تعود للظهور ثانية ، ويطلق على هذه الظاهرة الاسترجاع التلقائي .  
تدريب 1 :
بين نواحي القوة ونواحي الضعف في نظرية بافلوف عن التعلم الشرطي ؟
تدريب 2 :
عرفي المفاهيم الآتية : الاشتراط الراجع ، الفعل المنعكس المرجأ ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق